المادة    
وبهذه المناسبة أحب أن أذكر شيئاً مما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في الرسالة العرشية وهي في آخر الجزء السادس من مجموع الفتاوى، وقد طبعت مفردة مستقلة، وقد حققت ونشرت أيضاً في مجلة الدارة في عدد قديم، وهذه الرسالة من أحسن ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ففيها من الفوائد والعلم الغزير ما يحير العقول.
  1. عبقرية ابن تيمية وسبقه للعلم الحديث

    كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه الرسالة في زمن كانت فيه أوروبا تعُج بالجهل والظلمات، مرت على أوروبا ستة قرون -على الأقل- لم يكتب فيها كتاب واحد في أي علم من العلوم، وحين كتب شيخ الإسلام هذه الرسالة -بل بعد وفاته ببضعة قرون- كانت الكنيسة البابوية زعيمة العالم النصراني الأوروبي تحكم على العلماء بالحرق أو الإعدام أو السجن؛ لأنهم قالوا بنظريات تخالف نظريات أرسطو ؛ مع أنها ليس فيها مما ذكره شيخ الإسلام هنا إلا النزر القليل، فلا مقارنة ولا نسبة بين ما كتب هنا رحمه الله وبين ما كتبه كوبرنيك مثلاً أو قاله برونو، أو جاليليو ومع ذلك فإن زعامة الدين النصراني -هيئة الكنيسة أو هيئة رجال الدين- قامت بإحراق برونو وسجنت جاليليو ولم تحرقه لأنه أذعن للكنيسة وأعلن تراجعه عن أقواله، ولم تكن العقلية الأوروبية تدرك إلا النزر اليسير مما كتب في هذه الرسالة، وهو كلام يعجب منه كل من اطلع عليه؛ كيف توصلت هذه العقلية الجبارة إلى تقرير هذه الحقائق العجيبة؟!!
    بل ما أتى به أينشتاين -وهو من أكبر علماء الطبيعة، وهو الذي فتح مرحلة جديدة من مراحل تطور العلوم البشرية كما يقولون- لا يضاهي ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هنا.
  2. الكتاب والسنة هما مصدر العلم والنور

    ليس المجال هنا مجال مقارنة بين ما كتبه علماؤنا وبين ما قاله أولئك، لكن العبرة أن نعلم أن مصدر الحق والخير والهدى والعلم النقي الصافي هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا رزق الله تبارك وتعالى العبد فيهما فهماً ثاقباً وعلماً صادقاً وإخلاصاً، فإنه يفتح عليه من أنواع العلوم ما لا يستطيع أن يدركه غيره، وهذه هي العبرة.
    ثم نحن لا نقول هذا من أجل أوروبا ولا من أجل الغربيين، فهم كفار، ولن يؤمنوا بما هو أعظم من ذلك، لكن نعجب من وجود كثير من المسلمين -وبعضهم من العلماء في القديم والحديث- يغمطون حق هذا الرجل العظيم، وينكرون فضله وقدره، مع أن هذا الذي فتحه الله تعالى على يديه هو نصرٌ للإسلام، وهو دليل على أن هذا الدين هو دين الحق، وهو دليل على أن ما أنزله الله تعالى من الوحي هو مصدر الحق الذي لا يتغير مهما تغيرت العصور والأزمان، ومهما ترقى العلم البشري، بل غاية ما يصل الإنسان إليه بعلمه أن يفهم ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.